اخبار حياة – في مساء كل يوم يجتمع يحيى أبو دياب مع مساعديه ومجموعة من المتطوعين في مطعم بأحد فنادق الخمسة نجوم في عمان لجمع الطعام المتبقي من موائد (البوفيه المفتوح)، ووضعه في صناديق خاصة لتوزيعه على العائلات الفقيرة في مبادرة تسمى “حفظ النعمة”.
ويقول أبو دياب مدير جمعية بسمة الحياة إن هذه المبادرة بدأت كفكرة في عام 2021 من عمر شحرور، وهو أحد الراعيين لها، لتقوم الجمعية بتبنيها والحصول على جميع الرخص اللازمة لتنفيذها سواء من مؤسسة الغذاء والدواء أو وزارة التنمية الاجتماعية.
ويضيف أن المبادرة تنشط بشكل كبير في شهر رمضان نظرا لوجود بوفيه إفطار يومي، “ولكننا مستمرون بالعمل كل يوم على مدار العام، بحيث نستغل بوفيه الطعام الخاص بحفلات الزفاف والمؤتمرات وحتى وجبة الغداء العادية”.
ووفقاً لإحصائيات رسمية، يهدر الأردنيون نحو 34 في المئة من طعامهم سنويا، وخاصة في المناسبات الاجتماعية، في وقت تحاول الحكومة تفعيل ضوابط رادعة لوقف هذا الهدر والتلويح بسن قوانين وعقوبات.
وفي حين كشف تقرير للأمم المتحدة عن أن الناس حول العالم يهدرون نحو مليار طن من الطعام سنويا.
ويؤكد أبو دياب أن الطعام الذي يجمع من الفندق لم يتم لمسه من الضيوف بل هو زائد عن الحاجة، وبدلاً من أن يقوم مطبخ الفندق بالتخلص منه نقوم نحن بوضعه في صناديق حفظ خاصة وننقله بسيارة مبردة مرخصة من قبل مؤسسة الغذاء والدواء للحفاظ على جودة الطعام وسلامته.
ويبين أن نسبة الطعام الزائد من “إفطارات رمضان تصل إلى 50 في المئة وتطعم نحو 60 عائلة في حين أنه في الأيام العادية من العام تصل نسبة الطعام الزائد إلى 35 في المئة وتطعم 30 عائلة”.
وحول طريقة جمع الطعام من داخل مطعم الفندق يوضح أبو دياب أنه يدخل هو ومساعدوه بعد موافقة الطباخ الرئيسي للمطعم وهم يلبسون لباسا خاصا وواقيات للرأس واليدين والأقدام ويجمعون الطعام بعناية ثم يتوجهون للمناطق الفقيرة والأكثر فقرا لتوزيعه بشكل مباشر.
وذكر أنه يتم اختيار المناطق والعائلات الفقيرة بمساعدة من وزارة التنمية الاجتماعية التي لديها إحصائيات ومعلومات دقيقة عن الأسر المحتاجة.
ويقول أبو دياب إنه حتى الآن يتعاون معهم من أجل المبادرة فندقين من فئة الخمسة نجوم فقط، آملا أن يزداد العدد في المستقبل لتوسيع المساعدات المقدمة للعائلات الفقيرة من جهة ولمنع التخلص من الطعام وإهداره دون فائدة من جهة أخرى.
يشار إلى أن الأرقام الرسمية في الأردن حددت نسبة الفقراء بنحو 15.7 في المئة، لكن تصريحات حكومية تقول إنه بعد جائحة كورونا بلغت نسبة الفقر حوالي 24 في المئة.
بدورها، تؤكد عفاف الكرمي رئيسة جمعية الضياء الخيرية، إحدى الجمعيات المتعاونة مع المبادرة، والتي تقع في حي فقير في شرق العاصمة عمان، أنها تساعد في ضمان توصيل الطعام للعائلات الفقيرة.
وتبين الكرمي أنه بناء على دراسات الجمعية تم تحديد العائلات المحتاجة والتي يقدر عددها بنحو 160 عائلة، يحضر منها ما بين 40 إلى 60 عائلة يومياً للحصول على الطعام.
وتوضح أنه بمجرد استلام الطعام من المتطوعين في مبادرة حفظ النعمة يتم وضعه على طاولات في مقر الجمعية واستقبال العائلات لملئ أوانيهم بما يرغبون من مختلف الأصناف.
وتشير الكرمي التي تتعاون جمعيتها مع المبادرة منذ تسعة أشهر أن كميات الطعام في رمضان تكون أكبر بكثير من الكميات في الأيام العادية لذلك يكون عدد المستفيدين أكبر.
وقدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” كميات الطعام التي تهدر في الأردن بحوالي 950 ألف طن سنوياً.
في جرش، انطلقت مبادرة فردية للسبعيني محمد العياصرة، والتي كانت بالتزامن مع مبادرة أخرى قام بها وتمثلت بجمع نسخ من القرآن الكريم وترميمها وذلك منذ عام 1970.
وإلى جانب ما يقوم به العياصرة من جمع بقايا الطعام وتوزعيها على الأسر المعوزة، يقوم العياصرة بتوزيع التالف من الطعام للطيور على شكل مائدة يومية.
يبدأ المسن بنثر بقايا الطعام وتحديدا من الأرز فوق قطعة السجاد الصغيرة، لتأتي إليه الطيور مسرعة وتجتمع على إطار مائدة واسعة من الأرز وبقايا الوجبات الرمضانية.
يقول العياصرة:”هذا الطعام هو فائض عن حاجة الناس في وجبات إفطارهم برمضان، ورميه دون الاستفادة منه هدر وإفساد سنحاسب عليه يوم القيامة”.
وتابع: “أقوم بذلك منذ عام 1970، وهي مبادرة تزامنت مع مبادرة إصلاح النسخ التالفة من المصاحف وترميمها، وهي لا تقل أهمية بالأجر عنها”.
وأضاف “على مدار تلك السنين، وخلال شهر رمضان المبارك، أقوم بنشر رقم هاتفي المحمول وتعميمه على الناس، وأطلب منهم إبلاغي بما يفيض عن حاجتهم بعد تناول الإفطار”.
واستدرك “أذهب إليهم بسيارتي بمساندة أبنائي وأحفادي، ونقوم بجمع كل الكميات الموجودة، ثم نبدأ العمل عليها، وذلك بتغليف الصالح منها وتوزيعه على المحتاجين، والتالف أقدمه هنا لهذه الطيور”.
وأوضح العياصرة أن “شهر رمضان هو موسم لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بين الناس، وفرصة لنيل الأجر والثواب، وهذا ما أحرص عليه، فأنا لا أبغٍ إلا وجه الله”.
أما بالنسبة للطيور، فقد اعتبر بأنها “كائنات تحصل على طعامها من البريّة، وبهذه الطريقة أهون عليها البحث، وأحفظ بقايا الطعام من أن تلقى مع النفايات، وهذا أمر سيحاسبنا الله عليه”.
يقول، أستاذ الشريعة بالجامعة الأردنية، محمد الخطيب “مما لاشك فيه أن الإنسان المسلم ملتزم دائماً بعدم الإسراف في الطعام، وذلك لقوله تعالى ولا تسرفوا إنا الله لا يحب المسرفين”.
وأضاف “ذلك لأن الإسراف في الطعام يؤدي إلى محق البركة في نعم الله عز وجل، ولهذا نجد أن الكثير من الناس وخاصّة في شهر رمضان، يكثر من أصناف الطعام الكثيرة، والتي في نهاية المطاف لا يُأكل إلا القليل منها، وهذا يؤدي إلى ضياع الكثير من الطعام ورميه في القمامة، وهذا دليل على أن الإسراف يؤدي إلى غضب الله عز وجل على الإنسان”.
وزاد الخطيب “لهذا، فإن عمل الخير الذي يقوم به هذا الشخص الصّالح يدل على تعظيمه لنعم الله عزّ وجل، التي يجب على الإنسان المحافظة عليها، وخاصة في ظل وجود الكثير من الفقراء والمساكين الذين نجدهم في أرجاء الوطن بحاجة ماسة إلى الطعام حيث لا يجدون شيئاً يقتاتون به”.
ولفت “إن هذا العمل الخيري هو عمل يؤجر عليه (العياصرة) أجراً كبيراً بإذن الله؛ لأنه يقوم بحفظ هذه النّعم وإعطائها لمستحقيها، وكذلك بقية الطعام يطعمها لمخلوقات الله عز وجل”.
وختم الخطيب: “هذا إن دلّ على شيء يدل على قدرة هذا الإنسان الفاضل في عمل الخير للإنسان والحيوان، فجزاه الله خيراً، ويجب على كل مسلم أن يقتدي بهذا العمل الخيري؛ لأنه يدل على خوفه من الله وخوفه على نعم الله عز وجل”.
قال مدير برنامج الأغذية في منطقة الفاو طلال الفايز إن هدر الطعام يحتاج إلى زيادة التوعية بأهمية الحفاظ على الطعام في ظل ارتفاع الأسعار ومعاناة الدول من الأمن الغذائي.
وأضاف في حديث سابق لـ”اخبار حياة”، ما يهدر من الطعام يكفي الكثير من العائلات المستورة لأسابيع.
وأفاد أن هدر مليون طن طعام سنويا في الأردن يعتبر مأساة كبرى، داعيا إلى تغيير بعض العائدات التي تسهم في اهدار الطعام.
ودعا المواطنين إلى عدم القاء الطعام في سلال المهملات، ووضعه في بنوك الطعام للتبرع به للعائلات الفقيرة والمحتاجة.
ولفت إلى أن وقف هدر الطعام يقلل من الخسائر المالية الكبيرة ويساعد في الحفاظ على صحة المواطنين.
بدوره قال الناطق الإعلامي باسم جمعية حماية المستهلك حسين العموش إن المناسبات العامة يهدر فيها كميات كبيرة من الطعام، كنوع من التباهي والتفاخر.
وأضاف العموش في حديث لـ”اخبار حياة”، أن التفاخر في المناسبات من العادات السلبية القائمة التي يهدر فيها طعام بكميات كبيرة.
وبيّنَ أن الكميات المهدورة من الطعام في غالبيتها تذهب للنفايات ولا يستفيد منها أحد، داعيا إلى حفظ الطعام بشكل جيد، وعدم رميه، حتى يستفيد منه الفقراء.
وأشار إلى أن الكميات المهدورة تزيد من الاستهلاك وتؤدي الى رفع أسعار السلع.