آلية رسم السياسة الصناعية تحتاج إلى إرادة حقيقية وتشاركية ما بين الحكومة والقطاع الصناعي
الهدف الرئيسي للسياسة الصناعية هو زيادة الإنتاج الصناعي وبأقل التكاليف
لا بد من دعم الصناعات التي تتمتع بقيمة مضافة أعلى من خلال برامج تحفيزية
أخبار حياة – شدد عضو غرفة صناعة عمان الكاتب الاقتصادي، المهندس موسى الساكت، على أهمية وضع سياسة وطنية صناعية وفق جدول زمني قابل للتطبيق.
وقال إن السياسة النقدية يجب أن تكون قادرة على زيادة الإنتاج الوطني بأقل الكلف، ورفع نسبة الصادرات ومنحها قدرة وميزة تنافسية في الاسواق الخارجية مما يسهم في دعم منظومة الإقتصاد الوطني ورفع معدلات النمو الاقتصادي.
جاء ذلك، في حوار أجراه المهندس موسى الساكت مع يومية الرأي اليوم الأحد.
واوضح أنه بات لزاما على الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص على رسم سياسة صناعية تقوم على دعم الصناعات الوطنية ومنحها عدة حوافز.
واكد المهندس الساكت على هنالك ارتباطا وثيقا ما بين رؤية التحديث الاقتصادي التي أقرتها الحكومة مؤخرا وكانت نتاج مخاض فكري بين عدد كبير من أصحاب الشأن الاقتصادي برعاية ملكية سامية، والسياسة الصناعية لا سيما أن القطاع الصناعي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الأردني وصادراته تصل إلى أكثر من 135 دولة حول العالم ويشغل أكثر من 250 ألف عامل ويحقق تنمية في مختلف محافظات المملكة.
وأكد على أن آلية رسم السياسة الصناعية تحتاج إلى إرادة حقيقية وتشاركية ما بين الحكومة والقطاع الصناعي، مؤكدا أن العملية تكاملية بين الجميع.
ولفت عضو غرفة صناعة عمان الى أن هذه السياسة تحتاج بطبيعة الحال إلى إعادة النظر ببعض القوانين والتشريعات والتعليمات والأنظمة لتحقيق الأهداف الكبرى، وهذا الأمر معمول به في كبريات الدول الصناعية، مشيرا إلى أنه لم يفت الوقت بعد، خصوصا وأن الأردن يحتل الريادة دوما فيما يخص الصناعة لما يتمتع به أبناء القطاع الصناعي من خبرات ومهارات بالإضافة إلى المعرفة، من هنا لا بد لنا من الجلوس على الطاولة ورسم الخطوط العريضة معا للسياسة الصناعية، وتعظيم الإنتاج وتحقيق الطموح والأهم تحقيق التنمية الاقتصادية وأهداف ورؤية التحديث الاقتصادي.
إلى نص الحوار
ماذا يقصد المهندس موسى الساكت بالسياسة الصناعية ؟
السياسة الصناعية تعريفيا هي الاستخدام الأمثل للموارد من خلال عدة إجراءات وتدابير تتخذ من قبل الحكومة بالتشارك مع القطاع الصناعي لرسم سياسة صناعية تقوم على دعم الصناعات الوطنية التي تحقق أكبر قيمة مضافة ومنحها عدة حوافز، وهذا الأمر يقوم على عدة محاور منها الكلفة التشغيلية، كلفة الطاقة تكون منخفضة، المواد الأولية متوفرة وضمن معدلات سعرية تدعم التنافسية، والأيادي العاملة الماهرة القادرة على قادرة العملية الإنتاجية بكفاءة، وبطبيعة الحال وسائل نقل ضمن كلف منخفضة وعدد من العوامل الأخرى التي بكل تأكيد ستسهم في نجاح هذه الصناعات وسياستها.
وبالتالي فإن السياسة الصناعية هي بمثابة إعلان رسمي من قبل الحكومة والذي من خلاله يتم تبني السياسات العامة للقطاع الصناعي من قبل الدولة ومؤسساتها.
باختصار، فان الهدف الرئيسي للسياسة الصناعية هو زيادة الإنتاج الصناعي وبأقل التكاليف الممكنة وتساعد السياسة الصناعية في الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية، وتساعد في تحديد وجمع واستخدام الموارد بشكل صحيح مما يسهل على الدولة زيادة دخلها القومي.
برأيك، كيف نرسم سياسة صناعية يكون لديها القدرة على التنافس محليا وخارجيا ؟ وما علاقتها بمنظومة التحديث الاقتصادي؟
هنالك ارتباط وثيق ما بين رؤية التحديث الاقتصادي التي أقرتها الحكومة مؤخرا وكانت نتاج مخاض فكري بين عدد كبير من أصحاب الشأن الاقتصادي برعاية ملكية سامية، فرؤية التحديث كما قال جلالة الملك ستكون عابرة للحكومات وهذا الأمر يحتم علينا تقديم كافة الإمكانات المتاحة لإنجاح هذه الرؤية والتي هي أشبه بخارطة طريق للاقتصاد الوطني، ومن ضمن ذلك القطاع الصناعي الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الأردني وصادراته تصل إلى أكثر من 135 دولة حول العالم ويشغل أكثر من 250 ألف عامل ويحقق تنمية في مختلف محافظات المملكة وأينما تواجدت منشأة صناعية، بالتالي بكل تأكيد ستكون بؤرة التنمية، لذلك نحن بأمس الحاجة اليوم إلى سياسة صناعية كونها داعما رئيسيا لرؤية التحديث وستكون أداة من أدوات التنفيذ من أجل زيادة الإنتاج والإنتاجية بأقل التكاليف.
أما حول آلية رسم السياسة الصناعية، فهي تحتاج إلى إرادة حقيقية وتشاركية حقيقية أيضا ما بين الحكومة والقطاع الصناعي، فالعملية تكاملية بين الجميع، وترتبط هذه السياسة وما ينتج عنها بجدول زمني قابل للتطبيق، وبطبيعة الحال هذه السياسة تحتاج إلى إعادة النظر ببعض القوانين والتعليمات والأنظمة لتحقيق الأهداف الكبرى، وهذا الأمر معمول به في كبريات الدول الصناعية.
وعلى سبيل المثال، يتم إعطاء الصناعات ذات القيمة المضافة الكبيرة الأولوية من حيث الحوافز، وذلك لقدرتها الكبيرة على إحلال نفسها بديلا عن الصناعات المستوردة في الأسواق المحلية، وهو ما يخفض قيمة المستوردات ويرفع نسبة الاعتماد على الإنتاج المحلي من الصناعات الوطنية، وهنا يتجلى فعليا رؤيتنا الأردنية في الاعتماد على الذات ودولة الإنتاج، كذلك الأمر هذه الصناعات لها قدرة تنافسية في الأسواق الخارجية، من حيث الجودة والسعر والمواصفات العالمية، وهذا يتحقق بأن نعتمد في صادراتنا على المنتجات والسلع ذات القيمة المضافة والأكثر تنافسية والأقل تكلفة من حيث التشغيل والإنتاج واستخداما للطاقة والمواد الأولية، ولدينا بعض الصناعات التي تتوفر بها هذه الميزة ولكنها تحتاج إلى التوجيه والدعم.
والأمثلة للسياسة الصناعية تلك التي تشمل دعم الصناعات التصديرية والتصنيع البديل للواردات، حيث تفرض ما يسمى «الحواجز التجارية» بشكل مؤقت على بعض القطاعات الرئيسية والتي لها ميزة تنافسية حتى تستطيع هذه الصناعات من النمو والمنافسة والتصدير وتحقيق إيراد على خزانة الدولة.
وهنا نشير إلى أنه رغم ارتفاع الصادرات عام 2022 بنسبة 46% إلا أن الرقم القياسي للانتاج الصناعي لم يزد الا بحدود 4% وهذا يدل أن هناك مشكلة كبيرة وحلها يكون من خلال السياسة الصناعية.
ماذا تقصد بالتصنيع البديل للواردات ؟
الأردن يستورد العديد من السلع، وهذه السلع تتمتع بالدعم والحماية في بلدانها، ولا تقبل دخول مثيلاتها إلى أسواقها، من هنا، لدينا القدرة في حال توافرت الإرادة على تصنيع بدائل لهذه المستوردات والصناعيين الأردنيين لديهم من الكفاءات ما يكفي للقيام بهذه المهمة، ولكن، لا بد من توفير متطلبات هذه العملية خصوصا فيما يتعلق بالمواد الأولية وتبسيط كافة الإجراءات للحصول عليها وبعض المواد الأولية لدينا القدرة على تصنيعها محليا ولكن هنالك عوائق تقف أمام تصنيعها، أهمها ارتفاع كلف الانتاج وهنا السياسة الصناعية لها دور كبير في ذلك من خلال تبني تصنيع مدخلات الانتاج واعطاء هذه الصناعات حوافز خاصة وهذا سيقودنا الى انشاء مصانع لانتاج مواد أولية نخفض من خلالها اعتمادنا على مدخلات الانتاج المستوردة من الخارج والتي تصل نسبتها الى أكثر من 80%.
ما هي العوائق التي تقف حاجزا أمام نجاح هذه السياسة ؟ وعلاقة هذا الأمر بالقوانين والأنظمة ؟
العلاقة مترابطة، وهي علاقة تنظيمية ورقابية في بعض الأحيان، لذلك إذا أردنا مجاراة العالم المتقدم في ظل ظروف بدأت تفرض نفسها على كثير من الدول بالاعتماد على الذات وبعض الأحيان منع صادراتها لدول أخرى وذلك من باب الأمن الوطني والاستقرار السلعي فيها، ومن باب آخر أن التطورات الصحية العالمية وظروف الحروب وعدم الاستقرار في عديد الدول تفرض نفسها على السياسات المتخذة والمتبعة في هذه الدول.
من هنا يتوجب علينا مراجعة القوانين والأنظمة والتعليمات حتى لا تقف عائقا أمام الصناعات بشكل عام وكذلك أمام رسم السياسة الصناعية حتى لا تذهب الجهود بلا فائدة مرجوة، وهذه القوانين جميعها تتعلق بالقطاع الصناعي وبعضها يحتاج إلى تطوير لما نواجهه اليوم من تحديات حقيقية وكذلك لمواكبة الصناعات العالمية المتطورة.
لابد لنا من إعادة النظر مثلا بالنقل ووسائطه، فقد أصبح لزاما علينا إنشاء شبكة مواصلات للشحن على أقل تقدير، فما المانع من وجود سكة حديد في المملكة لشحن الصادرات سواء للمعبر المائي في العقبة أو للمعابر البرية، فنظرة سريعة على كلف النقل من المصانع إلى أي اتجاه تعتبر كلفا مرتفعة جدا مقارنة مع الماضي وتشكل نسبة لا بأس بها من أرباح المصانع وكلفها، كذلك تؤثر على مدى تنافسية هذه السلع والمنتجات المصنعة محليا وخارجيا، وهذا واضح للعيان.
من هنا علينا إعادة دراسة كافة الأمور والمتعلقات بالشأن الصناعي والسياسة الصناعية برمتها.
ما دور البنية التحتية ومدخلات الإنتاج والتشغيل في رسم السياسة الصناعية ؟
تعد البنية التحتية من نقل واتصالات وطاقة عاملا رئيسيا للاقتصاد ويكون لها دورا رئيسيا في تحديد السياسة الصناعية، خصوصا أن أي سياسة صناعية تتكون من جزئيين أساسيين: الأول: «الفكر والنهج» للدولة والتي تحدد طبيعة التصنيع والصناعة المطلوبة.الثاني: القواعد والمبادئ الحاكمة التي توفر إطارا معينا وراء هذا الفكر وهذا النهج. وبالتالي، فإن السياسة الصناعية هي مفهوم شامل يوفر التوجيه والخطوط العريضة لسياسة القطاع الصناعي.
ما العلاقة بين جذب الاستثمار والميزة التنافسية ؟
هي علاقة طردية، فكلما زادت الميزة التنافسية للصناعة، كلما زادت فرص جذب الاستثمار، فكثير من المستثمرين يقصدون دولا بذاتها وذلك لوجود ميزة تنافسية لصناعاتها في الأسواق العالمية، حيث نرى تحركات دول من خلال شريكاتها أو حتى صناديقها الاستثمارية تقوم بالاستثمار في دول أخرى، وبطبيعة الحال هذا الأمر يعود بالنفع على المستثمر والدولة المستثمر بها ويحقق نمو اقتصادي وتنموي ويساهم في اقتصاد تلك الدول ويخلق فرص عمل متعددة.
ونحن لدينا ميزة تنافسية في بعض القطاعات الإنتاجية ومما لا شك فيه أن هذه الميزة التنافسية هي انطلاقتنا الحقيقية نحو النمو الصناعي، مثلما نجد أن السياسة الصناعية هي أكبر عامل لجذب الاستثمارات الخارجية وزيادة الاستثمارات الداخلية ومن هنا نستنتج الأهمية الكبيرة للسياسة الصناعية.
وعليه فلابد من تحديد الميزة التنافسية للصناعة الأردنية والعمل على تحليلها وبالتالي سنصل إلى أولى الخطوات نحو السياسة الصناعية الوطنية والتي تعتبر على قدر كبير من الأهمية نحو التقدم والازدهار.