التفكير بصوت مرتفع في العلاقة مع الضفة الغربية

سامح المحاريق
هل يمكن أن تتخلص أندونيسيا من احتمال أن تكبدها خسائر هائلة نتيجة نوبة غضب تظهر في أمواج تسونامي مباغتة؟

الأندونيسيون يعيشون مع هذا التهديد بصورة مستمرة، وحتى لو تناسوا الواجبات والتدابير اللازمة لتحييد أثره على عشرات الملايين من سكان المناطق المهددة في بلادهم، فذلك لا يغير شيئًا من حقيقة مرعبة مقيمة حولهم، ومحتملة في أي لحظة.

الأردن يعاني من نوعية أخرى من المخاطر، بعضها يمكن أن يتجاهله لبعض الوقت، ولكن لا يمكن إهماله تمامًا، والضفة الغربية كانت وبصورة ملحة ذلك الخطر الذي لا يعرف متى يمكن أن ينفجر وكيف وإلى أي مدى، وما هي التكلفة التي سيتكبدها الأردن نتيجة ذلك، وكيف يمكن مواجهة التهديدات بصورة إفرادية وجمعية.

لم تتحصل الدولة الفلسطينية إلى اليوم على الاعتراف اللازم الذي يجعلها في موقع الندية على المستوى الدولي، وبحيث يمكنها أن تعامل بصفة الدولة وفقًا للقانون الدولي، ولذلك، فالخطاب الأردني يكاد يتركز على مسألة حل الدولتين، لأن هذه الدولة هي التي تشكل ضمانة مستدامة للأردن لخروجه من فكرة تفجر لغم أرضي على مسافة غير كافية لتجنب شظاياه، وبقي الأردن يستثمر سياسيًا في السلطة على هذه الأرضية لأنها بذرة مشروع الدولة الفلسطينية التي تعني عمليًا فك الارتباط الفعلي مع الضفة الغربية ويؤسس لأوضاع جديدة ذات أثر اجتماعي وسياسي في الأردن وفلسطين معًا.

قبل سنوات جرى التركيز على استعادة منطقتي الباقورة والغمر، وأضفت الدولة الأردنية طابعًا رمزيًا على قضية كانت تشتمل في عمقها على جانب إجرائي واضح، والرسالة الضمنية عند صلاة الملك مع ولي العهد على أرض الغمر عرضةً لتأويل إسرائيلي لأن الأمر يرتبط بفكرة قائمة لدى بعض القيادات العربية بالصلاة في المسجد الأقصى، وبعد ظهور صور كثيرة عن طقوس يسعى بعض السياح الإسرائيليين لإحيائها في منطقة وادي موسى، أتى الرد الأردني بقص سوالف بعض المتدينين اليهود لدى دخولهم إلى أراضيه، مع أنها ذات رمزية دينية واضحة لطوائف معينة، ووصلت هذه الرسالة أيضًا، وأتى أحد الردود الغشيمة من قبل وزير المالية سموتريتش باستعراض خريطة قديمة للمنظمات الصهيونية الإرهابية تشمل الأردن ضمن الأرض التي تريدها لإسرائيل في تلاعب على وتر خرائط التوراة وصراعاتها التي كانت أداة تجنيد رئيسية لليهود من أجل تشجيع الهجرة إلى فلسطين.

في هذا الإطار، ما زال الأردن يمثل الورقة الأخيرة داخل تشابك قانوني معقد، فالملك الحسين أصدر قرارًا بفك الارتباط، يقول البعض بأنه لم تحدث دسترته، مع أنه من غير المفهوم كيف يمكن أن يقوم ذلك في الدستور الذي هو نظام لحكم الدولة، وليس لإنشاء وجودها، وفي معظم الدساتير، إن لم يكن جميعها لا توجد هذه التفاصيل التي تكون محددة سلفًا بموجب المعاهدات الدولية والأمر الواقع الذي تفرضه طبيعتها على الدول الشريكة في المجتمع الدولي، بمعنى أن حيز الدولة الجغرافي يتحدد بموجب ما تقرره الدول الأخرى في بعض أوجهه، وينتهي الصراع على الإقليم الجغرافي بمجرد الاعتراف بالحدود بين دولة وأخرى، ولكن فلسطين ليست دولة بهذا المعنى، الأردن والدول العربية ودول كثيرة تعترف بفلسطين، ولكن ذلك ليس كافيًا في النهاية، ووجود الضفة الغربية أتى في جزء منه بموجب إعلان الملك الحسين عن فك الارتباط، ويبدو أن استقصاء وضع الضفة أثناء السنوات التي فصلت بين فك الارتباط وتأسيس السلطة الوطنية تعبير عن العقدة الكامنة في العلاقة.

ليس للأردن أية مطامع في الضفة الغربية، والدور الأردني ينتهي بخصوصها لأسباب كثيرة، ومنها أن الدولة الفلسطينية مهما كانت وتحت أي صورة، ستشكل ضمنيًا مرجعًا للفلسطينيين في العالم، والأردن تولى مسؤولية كبيرة على هذا المستوى، بينما ناورت دول كثيرة بالفعل والنظرية حول قضيتهم، ولكن الأردن في حال وضعه فرض أنه البديل الكامل، فذلك يعني تحقيق مخطط مريح للجميع يقدمه وطنًا بديلًا، ليدفع الأردن وحده، ووفقًا لخريطة سموتريتش فهذه الوضعية ليست منطقية ولا عادلة ولا ممكنة من الأساس.

لا تمتلك إسرائيل حدودًا نهائيةً، وليس لها دستور معتمد لأنها تعتبر مسألتي الأرض والسكان أمورًا متحركًة يمكن فرضهما بمنطق القوة والأمر الواقع، وهو الأمر الذي يبدو غائبًا عن تقدير استيعاب إسرائيل في المنطقة، والأردن على خط المواجهة الأولى، وكثيرًا ما تحدث من فرق الخبرة التاريخية في التعامل مع الجانب الإسرائيلي من مختلف وجميع الزوايا الممكنة، ولكن لا يمكن النظر للأمر من نفس وجهة النظر، لأن امتلاك الهامش والخيارات متباين ومختلف، ويذكر أن بعضًا من الدول العربية التي لم يكن لها لا اشتباك جغرافي ولا تحملت تكاليف مادية أو استيعابية في المواجهة، كانت لا تترك فرصة للتنظير على الأردن وغيره.

أمام هذه المعطيات، يعتبر الوضع في الضفة الغربية شأنًا أردنيًا، والحل الوحيد المقبول هو وجود الدولة الفلسطينية التي يعرف الأردنيون أنها ستكون مرتبطة بالأردن على أسس كثيفة ولكنها واضحة ومحددة، وستتمكن الدولة الفلسطينية في حالة التواجد القانوني من استيعاب أمور كثيرة بصورة تخدم مصلحة الفلسطينيين في المدى البعيد، والمطلوب، هو الانتقاد الصادق لأدائها، وإدراك أنها تعاني، بجانب أخطاء ذاتية كثيرة، من تربص للإفشال والتفريغ من المحتوى وإبقائها في حالة برزخية بين قدرتها على تحمل مسؤولياتها، وخيارها بالتخلي عن المسؤوليات لتضع إسرائيل من جديد أمام وضعية الأرض المحتلة وليس المتنازع عليها في ابتكار (كسينجري) استطاعت إسرائيل توظيفه بعناية.

للأردن دوره الكبير والاستراتيجي والمحوري في الضفة الغربية، والدولة الأردنية بحاجة إلى وجود مؤسسي يقوم بتنظيم أدوارها الحالية تجاه الدفع بالدولة الفلسطينية في استثمار لحظة تاريخية معقدة جعلت الولايات المتحدة تراها مخرجاً من صداع اليمين الإسرائيلي المكلف الذي يحاول أن يطرح نفسه على حساب ملفات أكثر أهمية واستراتيجية للأميركيين، وربما يجد الأردن أمامه أربع سنوات مع الديمقراطيين في البيت الأبيض عليه أن يستثمر كل لحظة خلالها من أجل تسوية هذه القنبلة السياسية – القانونية وتجنب التسونامي وتأجيله ربما لعقود أخرى من الزمن إلى ظروف أفضل وأكثر مواءمة، من غير أن يتناسى، أنه من طبيعة الأشياء.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات